إدارة الشئون الفنية
مقاصد الصيام

مقاصد الصيام

07 مارس 2025

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 7 من رمضان 1446 هـ - الموافق 7 /3 / 2025م

مَقَاصِدُ الصِّيَامِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَظِيمِ الْقَدِيرِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ بِمَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ، وَجَعَلَهَا عُدَّةً لِلصَّالِحِينَ يَتَزَوَّدُونَ فِيهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ؛ لِيَنَالُوا أُجُورَهُمْ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْكَرِيمُ الْجَوَادُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

فَاتَّقُوا اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ ]وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ[ [البقرة: ٢٨١ ].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ وَقَدَّرَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مَا فِيهِ خَيْرٌ وَهُدًى وَصَلَاحٌ، فَأَمَرَ جَلَّ وَعَلَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَجَعَلَهَا مُتَفَاوِتَةً فِي مَنْزِلَتِهَا وَثَوَابِهَا، وَجَعَلَ لِهَذِهِ الطَّاعَاتِ أَثَرًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَمِنْ أَعْظَمِ آثَارِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ: أَثَرُ الصِّيَامِ عَلَى نَفْسِ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى سُلُوكِهِ وَإِيمَانِهِ، حَتَّى يَتَعَدَّى ذَلِكَ الْأَثَرُ إِلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ؛ فَيَتَحَقَّقَ بِالصِّيَامِ أَسْمَى مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ، وَيَظْهَرَ بِالصِّيَامِ حِكْمَةُ اللهِ الْبَالِغَةُ وَرَحْمَتُهُ وَفَضْلُهُ عَلَى عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ.

عِبَادَ اللهِ:

فِي الصِّيَامِ يَرْقَى الْعَبْدُ إِلَى مَا يُرِيدُهُ اللهُ مِنْهُ مِنْ صَلَاحٍ وَاسْتِقَامَةٍ، يَرْقَى الْعَبْدُ فِي صِيَامِهِ إِلَى التَّقْوَى؛ لِيَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَذَابِ اللهِ وَعِقَابِهِ وِقَايَةٌ وَسِتْرٌ؛ ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ[ [البقرة: ١٨٣ ] . فَبَدَأَ اللهُ سُبْحَانَهُ آيَةَ الصِّيَامِ بِنِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ]لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ[، وَبَيْنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى أَوْثَقُ الصِّلَاتِ؛ إِذِ الْإِيمَانُ أَسَاسُ الْخَيْرِ وَمَنْبَعُ الْفَضَائِلِ، وَالتَّقْوَى رُوحُ الْإِيمَانِ وَسِرُّ الْفَلَاحِ، وَمِنْ أَعْظَمِ آثَارِ التَّقْوَى عَلَى النَّفْسِ: مُرَاقَبَةُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَالْخَوْفُ مِنْهُ، وَالتَّعَلُّقُ بِهِ وَحْدَهُ، وَالزُّهْدُ فِيمَا سِوَاهُ.

عِبَادَ اللهِ:

مِنْ مَقَاصِدِ الصِّيَامِ: أَنَّ الصَّائِمَ يَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ؛ مُتَقَرِّباً بِذَلِكَ إِلَى اللهِ، رَاجِياً بِتَرْكِهِ ثَوَابَهُ جَلَّ وَعَلَا، فَالصَّائِمُ يُدَرِّبُ نَفْسَهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى؛ فَيَتْرُكُ مَا تَهْوَى نَفْسُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِاطِّلَاعِ اللهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الصِّيَامِ وَأَسْرَارِهِ؛ لِذَلِكَ اخْتَصَّ اللهُ أَجْرَ الصَّائِمِ بِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:»كُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا ابْنُ آدَمَ تُضَاعَفُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، غَيْرَ الصِّيَامِ، هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، ‌يَدَعُ ‌شَهْوَتَهُ ‌مِنْ ‌أَجْلِي، وَيَدَعُ طَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي«[ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]، فَالصَّوْمُ لَا يَقَعُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يَقَعُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- : (لَمَّا كَانَتِ الْأَعْمَالُ يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ وَالصَّوْمُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ إِلَّا اللهُ، فَأَضَافَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ؛ وَلَهَذَا قَالَ: » ‌يَدَعُ ‌شَهْوَتَهُ ‌مِنْ ‌أَجْلِي «). وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (الصِّيَامُ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ نِيَّةٍ بَاطِنَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ، وَتَرْكٍ لِتَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ الَّتِي يَسْتَخْفِى بِتَنَاوُلِهَا فِي الْعَادَةِ). وَكَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (كَفَى بِقَوْلِهِ: »الصَّوْمُ لِي« فَضْلًا لِلصِّيَامِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «‌عَلَيْكَ ‌بِالصَّوْمِ، ‌فَإِنَّهُ ‌لَا عِدْلَ لَهُ« [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ لَاذَ بِهِ حَفِظَهُ وَحَمَاهُ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

وَمِنْ مَقَاصِدِ الصِّيَامِ: أَنَّ فِيهِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَنْقِيَةً لَهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَفِيهِ الْأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى سُلُوكِ الْمُسْلِمِ وَعَمَلِهِ، وَابْتِعَادِهِ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي؛ فَالصِّيَامُ مَدْرَسَةٌ لِلْفَضَائِلِ وَتَرْوِيضٌ لِلنَّفْسِ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْآثَامِ، فَالشَّيْطَانُ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ« [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ]، فَبِالصِّيَامِ يَضْعُفُ نُفُوذُ الشَّيْطَانِ، وَتَقِلُّ مِنَ الْمُسْلِمِ الْمَعَاصِي، لَا سِيَّمَا وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي تُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَتَتَهَذَّبُ بِالصِّيَامِ الْأَطْبَاعُ وَيَجِدُ الْعَبْدُ أَثَرَ صِيَامِهِ فِي جَوَارِحِهِ وَصَفَاءِ قَلْبِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ- : (لِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، وَالْقُوَى الْبَاطِنَةِ، .... فَالصَّوْمُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ صِحَّتَهَا، وَيُعِيدُ إِلَيْهَا مَا اسْتَلَبَتْهُ مِنْهَا أَيْدِي الشَّهَوَاتِ)؛ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا« [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ]، فَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، أَيْ: سِتْرٌ وَوِقَايَةٌ، مَا لَمْ يَخْرِقْ هَذِهِ الْوِقَايَةَ بِالْكَلَامِ السَّيِّئِ وَنحْوِهِ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ وَمَحْظُورٌ، فَالصِّيَامُ وِقَايَةٌ لِلصَّائِمِ مِمَّا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَوِقَايَةٌ مِنَ النَّارِ إِذَا كَانَ الصِّيَامُ سَالِماً مِنَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ؛ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- :(اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّيَامِ هُنَا -فِي الْحَدِيثِ- صِيَامُ مَنْ سَلِمَ صِيَامُهُ مِنَ الْمَعَاصِي قَوْلًا وَفِعْلًا)، وَقَدْ فَقِهَ سَلَفُ الْأُمَّةِ -رَحِمَهُمُ اللهُ- مَقْصِدَ الصِّيَامِ فِي حِفْظِ الصَّائِمِ جَوَارِحَهُ عَنِ الْمَعَاصِي، فَحَفِظُوا صَوْمَهُمْ وَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- : (يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِيَ، وَيَصُونَ صَوْمَهُ؛ كَانُوا إِذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا. وَلَا يَعْمَلُ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ).

عِبَادَ اللهِ:

مَنْ لَمْ يَكُفُّهُ صَوْمُهُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، وَأَخْلَاقِ اللِّئَامِ، مَا كَانَ لِصَوْمِهِ أَثَرٌ، وَلَا لِعَمَلِهِ قَبُولٌ عِنْدَ اللهِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »‌مَنْ ‌لَمْ ‌يَدَعْ ‌قَوْلَ ‌الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ« [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، فَتَأْثِيرُ الصِّيَامِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَن لَّا يَكُونَ يَوْمُ صَوْمِهِ وَيَوْمُ فِطْرِهِ سَوَاءً، وَسِرُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: (إِنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ بِتَرْكِ الْمُبَاحَاتِ لَا يَكْمُلُ إِلَّا بَعْدَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي كُلِّ حَالٍ، مِنَ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، فَمَنِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ تَقَرَّبَ بِتَرْكِ الْمُبَاحَاتِ، كَانَ بِمَثَابَةِ مَنْ يَتْرُكُ الْفَرَائِضَ وَيَتَقَرَّبُ بِالنَّوَافِلِ)، لِذَا كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي أَتَى بِهِ الصَّائِمُ عَلَى وَفْقِ مَا أَمَرَ اللهُ وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا يَنَالُ بِهِ الصَّائِمُ الْجَزَاءَ الصَّافِيَ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ الصَّائِمِينَ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

إِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الصِّيَامِ الْمُبَارَكَةِ وَتَأْثِيرِهِ الْبَالِغِ: أَنَّ الصَّائِمَ فِي الْغَالِبِ تَكْثُرُ طَاعَتُهُ؛ لِإِقْبَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْخَيْرِ. وَالطَّاعَاتُ مِنْ خِصَالِ التَّقْوَى، وَمِنْ هَذِهِ الطَّاعَاتِ: تَذَكُّرُ الْمَحْرُومِينَ وَمُوَاسَاتُهُمْ؛ فَالْغَنِيُّ إِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ مُوَاسَاةَ الْفُقَرَاءِ وَالنَّظَرَ فِي حَاجَاتِهِمْ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: »كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ«[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]، لِذَلِكَ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ لِلصَّائِمِ تَفْطِيرَ الصَّائِمِينَ؛ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌مَنْ ‌فَطَّرَ ‌صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]، وَالْمُرَادُ بِتَفْطِيرِ الصَّائِمِ: إِشْبَاعُهُ، فَمَنْ جَادَ عَلَى عِبَادِ اللهِ جَادَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْعَطَاءِ وَالْفَضْلِ؛ وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْجَنَّةِ؛ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »‌إِنَّ ‌فِي ‌الْجَنَّةِ ‌غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللهُ تَعَالَى لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ« [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وِصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

يَتَحَقَّقُ بِالصِّيَامِ إِذَا أَتَى بِهِ الْعِبَادُ وَفْقَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَأَرْشَدَ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَى الْمَقَاصِدِ وَأَعْلَى الْغَايَاتِ فِي تَحْقِيقِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنَ التَّقْوَى، فَيَكُونُ بِهِ الْأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى الْفَرْدِ فِي سُلُوكِهِ وَعَمَلِهِ، وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ فِي تَمَاسُكِهِ وَتَآلُفِهِ.

 اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ، وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عَافَيْتَهُ، وَلَا مَحْرُومًا مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَّا وَهَبْتَهُ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذَرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني